الخميس، سبتمبر 23، 2010

لا تعطونا أكبر من حجمنا

1

تمهيد

أثارت أزمة السيدة كاميليا شحاتة الأخيرة – والتي لم تنته بعد – تساؤلات عديدة حول دور جماعة الإخوان المسلمين في الشارع المصري .

ولا أنكر أن جماعة الإخوان المسلمين له التنظيم الأكثر انضباطا وانتشارا في الشارع المصري ، ربما أكثر من كل الأحزاب والتنظيمات الرسمية وغير الرسمية الموجودة في مصر .

والتنظيم الدقيق والمترابط الذي تتمتع به جماعة الإخوان المسلمين يوفر لها العديد من الميزات منها :

· حشد سريع في أي وقت من الأوقات لأفراد هذا التنظيم .

· تمويل من أعضاء التنظيم يكفي لتغطية نفقات الجماعة .

· مركزية إدارة تضمن توحد الرؤية لدى معظم أعضاء التنظيم تجاه أي قضية من القضايا .

ولكن رغم كل ذلك لا ينبغي أبدا للمراقب الخارجي أن يعطي جماعة الإخوان المسلمين أكبر من حجمها الحقيقي .

فرغم كل ما يوفره لها هذا التنظيم إلا أن جماعة الإخوان المسلمين تبقى في النهاية جماعة داخل الدولة ، وليست دولة داخل الدولة .

2

واقع لابد منه

ورغم أن الجماعة استطاعت فرض نفسها بقوة على الساحة السياسية والإعلامية خلال السنوات الماضية ، إلا أنه لابد من القول أن الرؤية الإعلامية للجماعة مازالت ناشئة في طور التكوين ، وعليه فمن الطبيعي أن تصدر من الجماعة تصرفات أو تصريحات أقل ما توصف به أنها أخطاء قاتلة .

وإذا ما عدنا إلى قضية كاميليا شحاتة فإن صمت الجماعة نتج بشكل أساسي عن أن الجماعة كانت تحت ضغوط عدة ، سواء وضعت الجماعة نفسها بإرادتها تحت هذه الضغوط ، أو أُريد لها أن تقع تحتها ، في كل الأحوال تعرضت الجماعة لعدة ضغوط مختلفة في هذه القضية ، وتوزعت هذه الضغوط على أربعة محاور .

· المحور الأول : داخل الجماعة .

· المحور الثاني : داخل التيار الإسلامي .

· المحور الثالث : المنظمات القبطية والعلمانية وأقباط المهجر .

· المحور الرابع : النظام الحاكم بشقيه الأمني والسياسي .

3

ضغوط من داخل الجماعة

صانعو القرار داخل جماعة الإخوان المسلمين ، في قضية كاميليا شحاته والقضايا المشابههة لها وقعو تحت ضغط عاملين مهمين :

العامل الأول : شباب الإخوان الذين علا صوت كثير منهم عبر مواقع الانترنت المختلفة يطالبون بموقف رسمي قوي من جماعة الإخوان المسلمين يكون على مستوى الحدث .

ولا شك عندي أن صانعي القرار يتابعون وباهتمام شديد هذه الآراء ويهتمون برصدها ، وعلى رأسهم المرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد ، حتى وإن اختلفت طريقة تعاطيهم مع هذه الآراء من شخص لآخر .

العامل الثاني : العقلية الحاكمة لصانعي القرار أنفسهم والتي جعلت التنظيم يتحول من مجرد وسيلة لتحقيق الأهداف إلى غاية في حد ذاته ، حتى أصبح الحفاظ على التنظيم هدفا في حد ذاته ، يراه كثيرون داخل الجماعة ضرورة لابد منها للحفاظ على الجماعة ، وتحقيق أهداف الدعوة .

وأيا ما كان مدى صحة هذه الرؤية فإن هاجس الحفاظ على التنظيم يبقى دائما ماثلا أمام صانع القرار ويجعله يراجع قراره ألف مرة قبل إعلانه .

4

التيار إسلامي ... تيارات إسلامية

لابد من الاعتراف أن التيار الإسلامي في الوضع الحالي ليس فقط هو الإخوان المسلمين ، وإنما أيضا الشارع المصري يوجد به التيار السلفي ، بنوعيه : السلفية العلمية ، والسلفية الجهادية .

وإذا كانت السلفية الجهادية لم يعد لها مكان في الشارع المصري ، بعد الضربات الأمنية ، ومراجعات السجون ، فإن السلفية العلمية تتواجد وبقوة ، وتسعى دائما لرصد مواقف الإخوان من كافة القضايا المثارة ، والتعليق على هذه المواقف .

وفي حادثة كاميليا شحاته تعرضت الجماعة لضغوط عدة من دعاة وأتباع السلفية العلمية ، تمثلت في كلمات مشايخ السلفية تلميحا وتصريحا حول رد فعل الجماعة ، وعدم مشاركتها في الاعتراض على ما حدث .

هذه الضغوط بالتأكيد لها تأثيرها على صانعي القرار داخل الجماعة ، وعلى القرار الذي يصدر عنهم ، ولكن أيضا لابد من التنبيه على تحولات جوهرية في موقف السلفيين من العديد من القضايا ، وعلى رأسها قضية تحريم المظاهرات ، وقضية مشروعية دخول المجالس النيابية ، والمشاركة في الانتخابات ، ونقد النظام الحاكم .

5

الأقباط والعلمانيون .. مصالح مشتركة

منظمات أقباط المهجر ، رغم أن تواجدها الحقيقي يقترب من الصفر إلا أن لها أصواتا عالية في وسائل الإعلام المختلفة ، وهذه الأصوات بالفعل شنت هجوما واضحا على الجماعة .

ومن ذلك الاستطلاع الذي نشره أحد مواقع أقباط المهجر ، والذي جاءت نتيجته أن 90% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن جماعة الإخوان المسلمين هي المسئولة عن المظاهرات التي خرجت في مصر ضد الكنيسة القبطية .

لذلك يجد صانع القرار نفسه دائما في أي قضية من القضايا المتعلقة بملف الأقباط محاطا بجماعة ضغط داخل وخارج مصر ، تشهر دائما سيف الفتنة الطائفية في وجه الإخوان .

6

النظام الحاكم .. بين الأمن والسياسة

النظام الحاكم له محورين للتعامل مع الإخوان ، كل منهما يخدم الآخر ويعاونه ، الشق الأمني ، والشق السياسي .

أولا : الشق الأمني : يتربص بشدة للإخوان المسلمين ، وكل تحركاتهم في المرحلة الحالية حيث انتخابات مجلس الشعب ثم انتخابات الرئاسة .

وأي مشاركة غير محسوبة من الإخوان في قضية كاميليا شحاتة تعني ببساطة أن الإخوان يقدمون رأسهم على طبق من ذهب هدية للأجهزة الأمنية .

ثانيا : الشق السياسي : من الواضح أن الحزب الوطني والنظام الحاكم أجاد الضغط على الإخوان في هذه القضية فهو في كل الأحوال جاهز للهجوم على الإخوان ، بل ويمارس هذا الهجوم .

فلو صمت الإخوان فسيكتفي بترك المجال وإتاحة الفرصة للتيار السلفي المحيد مسبقا في الانتخابات ، فيسمح له ويشجعه بطريق مباشر أو غير مباشر على الهجوم على الإخوان والتقليل من قيمتهم عند الناس مستغلا المصداقية التي يتمتع بها كبار مشايخ الدعوة السلفية مثل الشيخ محمد حسان ، والشيخ محمد حسين يعقوب ، والشيخ أبو إسحاق الحويني ، وما لهم من مصداقية عند عوام الناس .

ولو تحدث الإخوان فسينطلق النظام بآلته الإعلامية في الصحافة والتلفزيون والفضائيات مستغلا جهل الناس بتفاصيل الموضوع للحديث حول تطرف الإخوان ورغبتهم في دولة دينية بلا أقباط ، واضطهاد الإخوان للأقباط ، ومحاولة إثارة الفتنة الطائفية ، وتهديد الأمن العام للبلاد ... إلخ .

7

وأخيرا ...

الخلاصة أن جماعة الإخوان عليها ضغط من كثير من الجهات لذلك يكون من الظلم للجماعة ومن الخطأ افتراض أن الجماعة يمكن أن تتعامل بشكل سريع مع قضية معقدة مثل قضية كاميليا شحاته ، خصوصا وأنها قضية غامضة ، وما زالت غير واضحة المعالم ولا معلومة التفاصيل بشكل كامل حتى الآن .

وفي نفس الوقت لا نعفي صانعي القرار داخل الجماعة من المسئولية فقد كان هناك طرق أخرى للتعامل مع الحدث غير الطريقة التي تمت بالفعل ، وهذا له مقال آخر إن شاء الله .

ليست هناك تعليقات: