الأربعاء، أبريل 27، 2011

الفرد المسلم .. الحاضر الغائب

أستعيد كلمات الإمام البنا رحمه الله في رسالة التعاليم حين يتحدث عن ركن العمل فيقول : ومراتب العمل المطلوبة من اللأخ الصادق :

1 – إصلاح نفسه حتى يكون : قوي الجسم , متين الخلق , مثقف الفكر , قادرا على الكسب , سليم العقيدة , صحيح العبادة , مجاهدا لنفسه , حريصا على وقته , منظما في شؤونه , نافعا لغيره , وذلك واجب كل أخ على حدته .

هذا هو الفرد المسلم الذي أراده الإمام البنا رحمه الله أن يكون نواة هذه الجماعة وعمادها وهذه الجماعة يفترض بها أنها هي التي ستعيد مجد الإسلام وعزته (وخلافته) الإسلامية .

ولابد لنا أن نطرح جميعا هذا التساؤل الصادم :

هل كل (أو معظم) الإخوان تتحقق فيهم الصفات العشر التي ذكرها الإمام البنا ؟

إنني أدرك أنه لا يمكن أن تتحقق الصفات العشر كلها في واحد من الإخوان ، وحتى إذا تحققت فإنها لن تتحقق بشكل كامل ، ولكن ما يقر به الجميع بالفعل هو أن هناك خللاً في عملية إنتاج الفرد المسلم بصفاته العشر المذكورة .

ما نحتاجه في هذا المجال هو أن :

1-     يتم إعادة ترتيب هذه الصفات العشرة حسب الأولوية وإعادة تحديد الوزن النسبي لكل صفة منها بما يتناسب مع الواقع الجديد الذي نعيشه .

2-     يتم إعادة النظر في قضية أن صناعة الفرد المسلم هي "واجب كل أخ على حدته" كما ذكر الإمام البنا، وأنا أرى أن الجماعة تتحمل جزءا من المسئولية في تقويم أفرادها وحملهم على الاتصاف بهذه الصفات العشر واكتسابها .

3-     يتم إعادة النظر في وسائل التربية وإعادة تقييمها كلها ، خصوصا ما كنا نعتبره في فترة من الفترات من الثوابت عند الجماعة ، مثل الأسرة .

4-     يتم إعادة النظر في المحتوى التربوي والمنهج الثقافي المستهدف استيعابه في كل مستوى من المستويات التربوية المختلفة .

وفي هذا الإطار لابد أن يتم مراجعة المناهج الجديدة المطبقة من حوالي 10 سنوات ، ومقارنتها مع المناهج التي تم تطبيقها في الفترة السابقة لها .

ولابد أن تحتوى هذه المقارنة على العناصر التالية :

·         المنتج النهائي لهذه المناهج (الفرد داخل الإخوان الآن ، والفرد المقابل له في نفس المستوى التربوي من 15 سنة مثلا) .

·         المحتوى الشرعي الذي يفترض أن يحمله رجل يدعو إلى الإسلام .

·         المحتوى الفكري الذي يصوغ نمط التفكير داخل الجماعة .

·         مدى مواكبة المنهج لمتطلبات العصر وللمرحلة السنية للدارسين .

 

إن حجر الأساس في عملية التغيير والتطوير هو الفرد نفسه ، وما لم يكن هذا الفرد مؤهلا بالقدر الكافي فكراً وعلماً وثقافةً فإنه سيصبح عبئا ثقيلا على الجماعة ولن يساهم في تحقيق أهدافها .

وحتى وإن فعل فإنه لن يكون إضافة فاعلة إلى مسيرة العمل الإسلامي نحو نهضة الأمة .

 

إن عملية مراجعة آليات وطرق تكوين الفرد المسلم لابد أن تضع في الاعتبار وعلى رأس أولوياتها أن هذا الفرد المسلم الذي تُعنى الجماعة بتكوينه لابد أن تتحقق فيه كل صفات الفرد المسلم التي حددها الإمام البنا رحمه الله ، وذلك بعد إعادة ترتيبها طبقا للأولوية والوزن النسبي لكل منها ، وهي التي يكون بها الفرد المسلم : سليم العقيدة – صحيح العبادة – مثقف الفكر – متين الخلق – مجاهدا لنفسه – حريصا على وقته – منظما في شئونه – نافعا لغيره – قوي الجسم – قادرا على الكسب .

وإذا لم يوضع ذلك كله في الاعتبار فإن عملية المراجعة قد تنتج بالفعل فردا مطيعا ينفذ ما يكلف به ، لكنه لن يعمل لنهضة الأمة ، بل لن تكون لديه رؤية للنهضة من الأساس .

--------------------------

 المقالات السابقة من هذه السلسلة :

1- كيف يفكر الإخوان؟
2- واقع الإخوان بعد الثورة.

3- الإخوان بعد الثورة .. ما هو المطلوب؟

4- من محاور التطوير داخل جماعة الإخوان المسلمين.

الأحد، أبريل 24، 2011

من محاور التطوير داخل جماعة الإخوان المسلمين

أتصور أن التطوير داخل جماعة الإخوان المسلمين يمكن تبويبه ومناقشته بالتفصيل من خلال عدة محاور أساسية من بينها :

·          الفرد المسلم .. محور التطوير داخل جماعة الإخوان المسلمين .

·         جماعة الإخوان المسلمين بشكلها الإداري والمؤسسي .

·         العلاقة بين الإخوان والمجتمع .

·         موقع المرأة من رؤية الإخوان المسلمين .

في كل محور من هذه المحاور ستُفتح بالتأكيد العديد من الملفات التي تحتاج كلها إلى إعادة النظر والمراجعة ، بل وربما إعادة الصياغة من البداية .

وبالتأكيد لا يمكن أن يقوم على هذه المراجعة أو الصياغة الجديدة فرد واحد أو حتى مجموعة صغيرة من الأفراد ، وإنما يجب أن تخضع عملية المراجعة والتطوير هذه لأكبر قدر من الحوار العام والمفتوح داخل وخارج مؤسسات الجماعة المختلفة .

بعض هذه الملفات التي ستفتح ، سأكتفي فيها بمجرد تسجيل بعض الملاحظات التي أرجو أن تؤخذ في الاعتبار عند مراجعتها وإعادة صياغتها من المعنيين بذلك داخل الجماعة ، والبعض الآخر ربما أستفيض فيه في الحديث أو ربما أتقدم باقتراح تفصيلي إن كان عندي القدرة على ذلك .

1-     الفرد المسلم .

في هذا المحور سنتحدث عن صفات الفرد المسلم التي حددها الإمام البنا ، ومدى تحققها في أفراد الإخوان في الوقت الحالي .

2-     جماعة الإخوان المسلمين

في هذا المحور سنتحدث عن :

-          صناعة المفكرين .

-          آليات ووسائل التربية .

-          العمل السياسي داخل الجماعة .

-          الرؤية لمشروع النهضة .

-          الجانب الهيكلي والمؤسسي من الجماعة .

-          اللوائح والقوانين الداخلية للجماعة .

 

3-     العلاقة بين الإخوان والمجتمع :

سنعيد قراءة هذه العلاقة ، ونسجل ملاحظاتنا عليها ، وننظر فيها كيف يمكن تطويرها وتفعيلها في المرحلة القادمة لخدمة مشروع النهضة .

4-     موقع المرأة من رؤية جماعة الإخوان المسلمين .. عن الأخوات المسلمات سنتحدث .

 

تابعونا . . .

 

الإخوان بعد الثورة ، ما هو المطلوب ؟

الإخوان بعد الثورة

ما هو المطلوب ؟؟؟

مقدمة :

في المقال الأول من هذه السلسلة حاولت التعمق داخل عقل كل واحد من الإخوان للنظر في نمط التفكير السائد داخل الجماعة ، اتفق معظم القراء على تحليل نمط التفكير بالشكل الذي ذكرته ، وكان الخلاف حول الحكم على هذه الطريقة في التفكير هل هي إيجابية أم سلبية ، لكن المتفق عليه في كل الأحوال أنها موجودة .

 

في المقال الثاني تحدثت عن واقع الإخوان بعد الثورة ، أيضا اختلفنا في تحليل الأحداث ، وإن كنا قد اتفقنا على نموذج السيارة الضخمة التي وإن كانت تملك مميزات تفيدها كثيرا عن غيرها إلا أنها في نفس الوقت تفتقر إلى العديد من الإمكانيات المتاحة للسيارات الأصغر حجما .

 

اليوم في هذا المقال والمقالات القادمة من هذه السلسلة نحاول أن نرسم خريطة يمكن أن تساهم في إرشاد من يريد تطوير الجماعة ونقلها إلى مستوى أرقى وأفضل يعينها على أداء وتحقيق أهدافها ورسالتها لخدمة هذا الدين .

 

ضوابط الحديث عن التطوير

بالنسبة لي حين أتحدث عن أي موضوع يتعلق بتطوير الجماعة فإنني أضع في اعتباري الضوابط التالية :

1-     التركيز على الهدف المطلوب وتوضيحه بشكل جيد مع ترك مساحة واسعة لمتخذ القرار للبحث عن الوسيلة المناسبة لتحقيق هذا الهدف .

2-     إذا تحدثت عن الوسيلة فإنني أتحدث عنها حديثا عاما لا يخوض في التفاصيل ، وإنما أترك هذه التفاصيل لأهلها ، مراعاة للتخصص هذا أولا ، وثانيا لأنه كلما زادت مساحة الحديث في التفاصيل كلما زادت مساحة الخلاف وهو ما نسعى لتأجيله في الوقت الحالي .

3-     حينما أتحدث عن التطوير فإنني أضع في اعتباري دائما أن المستهدف الأول من أي عملية تطوير داخلية يجب أن يكون عقول الأفراد وثقافتهم وليس اللوائح والأشكال الإدارية ، وهذا لأن هذه العقول إذا تطورت واتسعت مداركها فإنها ستطالب من نفسها بتطوير اللوائح والأشكال الإدارية أو على الأقل ستنجح في تخطي العوائق والعراقيل التي ستضعها هذه اللوائح غير المطورة .

4-     التركيز على الفرد داخل الإخوان لأن هذا الفرد هو الممثل الحقيقي للجماعة عند العامة ، وهذا الفرد هو صانع الأحداث ، وهو من ينفذ القرارات التي تصدر له من القيادات ، باختصار .. الفرد داخل الإخوان هو محور الجماعة كلها .

5-     يبقى الحديث عن تطوير الجماعة حديثا عاما لا يناقش التفاصيل وإنما يضع أطرا وضوابط عامة لهذا التفصيل بما يضمن أن يكون هذا التطوير تطويرا حقيقيا وجذريا ويحدث أثرا في واقع ومستقبل الجماعة .

6-     هذا الضابط كان ينبغي أن يكون الأول وليس الأخير ، ولكن آثرت أن يكون آخر ما أكتبه في هذه الفقرة ليكون آخر ما يُقرأ فيبقى عالقا في الأذهان ، يتردد في سمع القارئ فلا ينساه .

أؤمن أن الجماعة كلها بكل ما فيها من أفكار ومؤسسات ولوائح وأقسام .. إلخ ، هذه الجماعة كلها ما هي إلا مجرد وسيلة لخدمة الإسلام ، صحيح أنها وسيلة فعالة وقد تكون الوسيلة الأفضل ، لكنها لم ولن تكون الوسيلة الوحيدة .

ولذلك لا حدود عندي لنقد الجماعة أو لنقد أداءها ، وكما أن الوسائل تقاس بنتائجها ، فإن ما يحكم تطوير الجماعة هو مدى إفادة هذا التطوير للعمل الإسلامي وللدعوة الإسلامية ، ومدى مساهمة هذا التطوير في تعجيل تنفيذ مشروع نهضة هذه الأمة .

الاثنين، أبريل 18، 2011

واقع الإخوان بعد الثورة

 

 

أعتقد أنك لن تستطيع فهم هذا المقال بشكل جيد إلا بعد أن تعود إلى المقال السابق : كيف يفكر الإخوان .

في المقال السابق رصدنا عقلية الإخوان ونمط التفكير السائد داخل الجماعة ، وفي هذا المقال نرصد واقع الجماعة في ضوء هذا النمط من التفكير .

 

واقع الإخوان بعد الثورة

 

·         شارك الإخوان في الثورة بشكل رسمي بداية من يوم 28 يناير وليس قبل ذلك .

·         لم يصدر عن الإخوان أي رد فعل على إخلاء الميدان بالقوة يوم 9 مارس الماضي .

·         اختار الإخوان أن يقولوا نعم في الاستفتاء على التعديلات الدستورية ، تحت مبررات : الاستقرار السريع – الانتقال الآمن للسلطة - .. إلخ .

·         لم يشارك الإخوان في جمعة إنقاذ الثورة ، واختلفت الروايات في السبب .

·         شارك الإخوان في جمعة التطهير وبشكل فيه تحدي واضح يهدف إلى إثبات أن الإخوان ما زال لهم اليد العليا في الحشد وتحريك الشارع المصري .

·         كل مشروعات تطوير الجماعة والاقتراحات المختلفة في هذا المجال محصورة في إطار تعديل الواقع القائم بالفعل (مراجعة المناهج – تعديل اللوائح – مراجعة السياسة الإعلامية - ..إلخ) ، ولا يمكن أن يدخل أي من مشروعات التطوير المعلنة حاليا في إطار التغيير الجذري أو الإحلال والتجديد .

·         انتخابات الاتحادات الطلابية وما حدث فيها ، ونتيجتها يعلمها الجميع .

 

هذا هو الواقع ... غالبا سنتفق على وجوده بهذه الصورة ، وغالبا أيضا سنختلف كثيرا في تحليل هذا الواقع.

 

نظرية التفكير الثوري والتفكير المحافظ

 

هناك نظرية تقول أن الناس عند حدوث أي ثورة ينقسمون في طريقة تفكيرهم إلى قسمين :

-         القسم الأول : أصحاب الفكر الثوري الذين يرون الثورة وسيلة للتغيير لا تقبل الموازنات أو أنصاف الحلول ، وهؤلاء غالبا ما يطالبون بالتغيير الكامل والشامل والسريع .

-         القسم الثاني : أصحاب الفكر المحافظ ، وهؤلاء لا ينشغلون بالتغيير الكامل بقدر ما ينشغلون بالاستقرار والتدرج في التغيير لأن ما يأتي سريعا يذهب أيضا سريعا .

بالتأكيد ليس أحد القسمين صوابا مطلقا والآخر خطئا مطلقا ، بل من الأصل ليست هذه النظرية محصنة ضد النقد أو معصومة من الخطأ ، وإنما هي مجرد محاولة لتفسير الواقع على أساس منهجي .

في ضوء هذه النظرية يمكن أن نقول أن الإخوان غالبا ينتمون إلى أصحاب الفكر المحافظ ، يهتمون أكثر بالاستقرار ، منهجية التغيير عند الإخوان قائدة على التغيير التدريجي من القاعدة وصولا إلى قمة الهرم .

في ضوء هذه النظرية أيضا يمكن أن نقول أن الإخوان – حتى الآن – لم يكونوا أصحاب تفكير ثوري يتحرك في اتجاه التغيير من أعلى إلى أسفل .

وفي هذا الإطار يمكن فهم لماذا لم يتحرك الإخوان بشكل رسمي يوم 25 يناير .

ولماذا لم يشارك الإخوان في جمعة التطهير .

ولماذا اختار الإخوان في التعديلات الدستورية الوصول إلى (أي) حالة استقرار حتى ولو لم يحدث قبلها تغيير جذري وكامل .

 

الخلاصة

 

الجماعة الآن بالفعل في ظل هذا النمط من "التفكير المحافظ" تحولت إلى كتلة مرجحة لا تساهم في صناعة الأحداث ولا تتولى زمام المبادرة بقدر ما ترجح خيارا على آخر بناء على حساباتها الخاصة المبنية بالدرجة الأولى على محددات التفكير التي تحدثنا عنها من قبل .

ويمكن القول أن الجماعة تحولت الآن إلى "سيارة نقل بمقطورة" إذا تحركت لا يمكن أن تقف أمامها سيارة أخرى في حجم أصغر  منها ، وإلا دهستها وأكملت المسير ، لكن في نفس الوقت هذه السيارة الكبيرة لها سلبيتان :

الأولى : أن سرعتها القصوى قليلة جدا مقارنة بتلك السيارات الصغيرة ، لذلك تبقى دائما في المؤخرة ، ولا تستطيع الدخول في أي سباق بسبب حمولتها الثقيلة .

الثانية : أن هذه السيارة تستطيع الحركة بشكل قوي بما يفتح الطريق ويفسح المجال أمام العشرات من السيارات الصغيرة التي قد تحتمي بها ، لكن قدرة هذه السيارة الكبيرة على المناورة وتغيير الاتجاه أقل بكثير من قدرة السيارات الصغيرة على الأمر ذاته ، ولكي تستدير هذه السيارة الكبيرة أو تغير اتجاهها فهي تحتاج إلى 5 أو 6 "تباعين" على الأقل يقفون في الشارع ليرشدوا السائق كيف يتحرك إلى الأمام والخلف حتى يتغير اتجاه السيارة .

 

دعوة للتفكير .. ما زالت قائمة

ودمتم بخير ؛

الخميس، أبريل 07، 2011

كيف يفكر الإخوان ؟


جماعة الإخوان المسلمين الآن في وضع حرج جدا وتقريبا علاقاتها مع كل التيارات السياسة محتقنة بشكل كبير .
السبب الأساسي في ذلك يعود – في رأيي – إلى أن هناك خللا في عملية الرؤية من هذه التيارات السياسية إلى الإخوان ، فمعظم التيارات السياسية لا تستطيع أن تستوعب طبيعة الجماعة وطبيعة تكوين العقل الجمعي ونمط التفكير الحاكم لأفراد الجماعة ، كما أنها لا تستطيع أن تستوعب أيضا آليات اتخاذ القرار داخل الجماعة .
وإذا كانت هذه التيارات لا تستطيع استيعاب وتفهم هذه التفاصيل الضرورية فإن من المنطقي أن تبقى حالة الاحتقان هذه كما هي دون تحسن ملحوظ .
الحديث الآن في هذا المقال يدور حول اثنين من أهم محددات التفكير داخل جماعة الإخوان ، سواء على مستوى القيادات أو حتى على مستوى القواعد التنظيمية .

المحدد الأول :
" الحفاظ على التنظيم "
على مستوى القيادات - سواء كانت هذه القيادات في مكتب الإرشاد أو في أصغر شعبة من شعب الإخوان - على مستوى هذه القيادات توجد قاعدة غير مكتوبة تحكم كل القرارات التي يتم اتخاذها تقريبا .
في العصر السابق كانت القاعدة : الوضع الأمني يفرض علينا التنازل حفاظا على الأفراد ، وفي العصر الحالي تغيرت هذه القاعدة إلى : الحرب الإعلامية على الدعوة تفرض علينا مزيدا من التكاتف حفاظا على وحدة الصف .
والتكاتف هنا لا يكون مقصودا به إلا التركيز على التنظيم ، وعلى تقوية ارتباط الأفراد بهذا التنظيم .
وهذه الرؤية – دون الدخول في جدل حول مدى صوابها – مبررة بشكل كبير لأن أهم ما يميز هذه الجماعة – إن لم يكن هو المصدر الوحيد لقوتها السياسية – هو ذلك التنظيم الذي تعتبر القيادة دائما أن أول واجباتها هو الحفاظ عليه بعيدا عن كل ما يهدد تماسكه وارتباط أفراده به ، وكذلك ارتباط هذا التنظيم نفسه بقيادته .
وهنا ينبغي أن نؤكد على أن هذه القيادة حينما تحافظ على التنظيم ، فهي لا تحافظ عليه لمصلحة شخصية أو فئوية ، وإنما تحافظ عليه لأنها ترى أن هذا التنظيم هو الوسيلة الأفضل لدعم الوطن وخدمته ، وإذا انهار هذا التنظيم فإن الخاسر الأول هو الوطن ، قبل أن يكون الجماعة .
كما ينبغى أن نؤكد أيضا على أن رؤية الحفاظ على هذا التنظيم تنطلق من كونه واجب شرعي يرجع إلى أصل يؤمن أنه " لا إسلام بلا جماعة ولا جماعة بلا إمارة ولا إمارة بلا طاعة " وهو قول منسوب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه رواه الدارمي .

المحدد الثاني :
" الثقة المفرطة "
على مستوى القواعد لابد أن نلاحظ بقوة وجود أمرين مهمين :
الأمر الأول : هو أن معظم هذه القواعد هي في نفس الوقت قيادات في مستوى إداري أقل ، فمسئول الشعبة ، عضو مجلس شورى منطقة ، وهكذا ..
وهذا الوضع يجعل من الطبيعي أن يتصور كل واحد من هؤلاء (القيادات – القواعد) أن قائده مشغول بالشكل الذي يجعله لا يحاول مناقشته كثيرا في تفاصيل ومبررات أي قرار يقوم هذا القائد بإبلاغه إلى من تحته .
إلى جانب أنه أيضا يفترض أن لدى قائده من المعلومات التي لا تتاح لمن هو في مستوى إداري أقل ، لديه من المعلومات ما يجعله قادرا على اتخاذ قرار أقرب إلى الصواب من ذلك الذي يحكم بناء على قدر أقل من المعلومات .
الأمر الثاني : هو أن عددا كبيرا من هذه القواعد الإخوانية لم تمارس العمل السياسي بتفصيلاته وتعقيداته وإنما اقتصر دورها على إتمام وإنجاح عملية الحشد وتجميع الأصوات لمرشحين الجماعة أو لخياراتها التصويتية في أي انتخابات عامة أو خاصة بفئة من الفئات ، وهذا العمل وإن كان جيدا إلا أنه في نفس الوقت يساهم في صناعة كتلة ضخمة من الأشخاص ترفض مجرد التفكير في احتمال أن يكون قرار من القرارات خاطئا ، وتقاوم هذا التفكير بمبررات عديدة مبنية غالبا على فهم خاطئ لمعنى الثقة في القيادة ، وهذه الكتلة رغم كونها مفيدة جدا في حالات التصويت والحشد ، إلا أنها تصبح في الوقت نفسه عبئا ثقيلا على الفكرة وعلى القيادة في حالة حدوث أي تغيرات فجائية غير متوقعة ، كما هي الأحوال هذه الأيام .

دعوة للتفكير

ودمتم بخير ؛

----------------------------------
عرضت هذا المقال على الإخوة والأخوات : د. أنور حامد أحمد أبو خليلأسامة طلبةمحمد مصطفى أسماء أنور شحاتةولاء هلال .
وكان لهم فضل في تعديل وإعادة صياغة بعض الفقرات في هذا المقال لتخرج بصورة أوضح ، فلهم منا جزيل الشكر .. جزاهم الله خيرا
وكان لهم أيضا ملاحظة مهمة أن أطرح رؤية للعلاج كما طرحت توصيفا للمشكلة ، ورغم أن رأيهم له وجاهته واحترامه ، إلا أني فضلت أن يكون طرح العلاج في مقال منفصل حتى لا يكون مبررا لتطويل مبالغ فيه في المقال ، وإسهاب يجعل القارئ يمل من المقال فلا يكمله إلى نهايته .