أعتقد أنك لن تستطيع فهم هذا المقال بشكل جيد إلا بعد أن تعود إلى المقال السابق : كيف يفكر الإخوان .
في المقال السابق رصدنا عقلية الإخوان ونمط التفكير السائد داخل الجماعة ، وفي هذا المقال نرصد واقع الجماعة في ضوء هذا النمط من التفكير .
واقع الإخوان بعد الثورة
· شارك الإخوان في الثورة بشكل رسمي بداية من يوم 28 يناير وليس قبل ذلك .
· لم يصدر عن الإخوان أي رد فعل على إخلاء الميدان بالقوة يوم 9 مارس الماضي .
· اختار الإخوان أن يقولوا نعم في الاستفتاء على التعديلات الدستورية ، تحت مبررات : الاستقرار السريع – الانتقال الآمن للسلطة - .. إلخ .
· لم يشارك الإخوان في جمعة إنقاذ الثورة ، واختلفت الروايات في السبب .
· شارك الإخوان في جمعة التطهير وبشكل فيه تحدي واضح يهدف إلى إثبات أن الإخوان ما زال لهم اليد العليا في الحشد وتحريك الشارع المصري .
· كل مشروعات تطوير الجماعة والاقتراحات المختلفة في هذا المجال محصورة في إطار تعديل الواقع القائم بالفعل (مراجعة المناهج – تعديل اللوائح – مراجعة السياسة الإعلامية - ..إلخ) ، ولا يمكن أن يدخل أي من مشروعات التطوير المعلنة حاليا في إطار التغيير الجذري أو الإحلال والتجديد .
· انتخابات الاتحادات الطلابية وما حدث فيها ، ونتيجتها يعلمها الجميع .
هذا هو الواقع ... غالبا سنتفق على وجوده بهذه الصورة ، وغالبا أيضا سنختلف كثيرا في تحليل هذا الواقع.
نظرية التفكير الثوري والتفكير المحافظ
هناك نظرية تقول أن الناس عند حدوث أي ثورة ينقسمون في طريقة تفكيرهم إلى قسمين :
- القسم الأول : أصحاب الفكر الثوري الذين يرون الثورة وسيلة للتغيير لا تقبل الموازنات أو أنصاف الحلول ، وهؤلاء غالبا ما يطالبون بالتغيير الكامل والشامل والسريع .
- القسم الثاني : أصحاب الفكر المحافظ ، وهؤلاء لا ينشغلون بالتغيير الكامل بقدر ما ينشغلون بالاستقرار والتدرج في التغيير لأن ما يأتي سريعا يذهب أيضا سريعا .
بالتأكيد ليس أحد القسمين صوابا مطلقا والآخر خطئا مطلقا ، بل من الأصل ليست هذه النظرية محصنة ضد النقد أو معصومة من الخطأ ، وإنما هي مجرد محاولة لتفسير الواقع على أساس منهجي .
في ضوء هذه النظرية يمكن أن نقول أن الإخوان غالبا ينتمون إلى أصحاب الفكر المحافظ ، يهتمون أكثر بالاستقرار ، منهجية التغيير عند الإخوان قائدة على التغيير التدريجي من القاعدة وصولا إلى قمة الهرم .
في ضوء هذه النظرية أيضا يمكن أن نقول أن الإخوان – حتى الآن – لم يكونوا أصحاب تفكير ثوري يتحرك في اتجاه التغيير من أعلى إلى أسفل .
وفي هذا الإطار يمكن فهم لماذا لم يتحرك الإخوان بشكل رسمي يوم 25 يناير .
ولماذا لم يشارك الإخوان في جمعة التطهير .
ولماذا اختار الإخوان في التعديلات الدستورية الوصول إلى (أي) حالة استقرار حتى ولو لم يحدث قبلها تغيير جذري وكامل .
الخلاصة
الجماعة الآن بالفعل في ظل هذا النمط من "التفكير المحافظ" تحولت إلى كتلة مرجحة لا تساهم في صناعة الأحداث ولا تتولى زمام المبادرة بقدر ما ترجح خيارا على آخر بناء على حساباتها الخاصة المبنية بالدرجة الأولى على محددات التفكير التي تحدثنا عنها من قبل .
ويمكن القول أن الجماعة تحولت الآن إلى "سيارة نقل بمقطورة" إذا تحركت لا يمكن أن تقف أمامها سيارة أخرى في حجم أصغر منها ، وإلا دهستها وأكملت المسير ، لكن في نفس الوقت هذه السيارة الكبيرة لها سلبيتان :
الأولى : أن سرعتها القصوى قليلة جدا مقارنة بتلك السيارات الصغيرة ، لذلك تبقى دائما في المؤخرة ، ولا تستطيع الدخول في أي سباق بسبب حمولتها الثقيلة .
الثانية : أن هذه السيارة تستطيع الحركة بشكل قوي بما يفتح الطريق ويفسح المجال أمام العشرات من السيارات الصغيرة التي قد تحتمي بها ، لكن قدرة هذه السيارة الكبيرة على المناورة وتغيير الاتجاه أقل بكثير من قدرة السيارات الصغيرة على الأمر ذاته ، ولكي تستدير هذه السيارة الكبيرة أو تغير اتجاهها فهي تحتاج إلى 5 أو 6 "تباعين" على الأقل يقفون في الشارع ليرشدوا السائق كيف يتحرك إلى الأمام والخلف حتى يتغير اتجاه السيارة .
دعوة للتفكير .. ما زالت قائمة
ودمتم بخير ؛
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق